دورة الحضارات وشخصيات الأفراد
بقلم دكتور : أيمن غريب قطب
تأمل معى قول العلامة ابن خلدون في مقدمتة الشهيرةأن الدول
لها أعمار طبيعية كما للأشخاص مستندا بقوله تعالى:لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ
إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [يونس/49],
وذكر في الباب الثالث عشر ماهية وأسباب فناء الأمم وزالها،حيث
يرى انه إذا استحكمت طبيعة الملك من الانفراد بالمجد وحصول
الترف والدعة أقبلت الدولة على الهرم ومن دواعي ذلك انفراد افراد
النخبة او الخاصةبالمجد واستأثروا بالثروات والحكم, اما ذا كان
المجد مشتركاً بين العصابة وكان سعيهم له واحداً، كانت هممهم
في التغلب على الغير والذب عن الحوزة أسوة في طموحها وقوة
شكائمها، ومرماهم إلى العز جميعاً، وهم يستطيبون الموت في
بناء مجدهم ويؤثرون الهلكة على فساده. وإذا انفرد الواحد منهم
بالمجد قرع عصبيتهم وكبح من أعنتهم، واستأثر بالأموال دونهم،
فتكاسلوا عن الغزو وفشل ريحهم ورئموا المذلة والاستعباد. ثم
ربي
الجيل الثاني منهم على ذلك، يحسبون ما ينالهم من العطاء أجراً
من السلطان لهم على الحماية والمعونة، لا يجري في عقولهم
سواه، وقل أن يستأجر أحد نفسه على الموت، فيصير ذلك وهناً
في
الدولة وخضداً من الشوكة، وتقبل به على مناحي الضعف والهرم
لفساد العصبية بذهاب البأس من أهلها اليس ذلك ديدن عبودية
الشعوب للافراد وسيطرة الجيوش على مقدراتها؟!!.
ان زيادةالترف كما يشير ابن خلدون تؤدي الى زيادة النفقات
والاعطيات والرشاوى والمجاملات والنفاق والفساد، مما يجعل الامم
لا يفي دخلها بخرجها، ومن ثم فالفقير منهم يهلك والمترف
يستغرق عطاءه بترفه، ثم يزداد ذلك في أجيالهم المتأخرة إلى أن
يقصر العطاء كله عن الترف وعوائده، وتمسهم الحاجة وتطالبهم
ملوكهم بحصر نفقاتهم في الغزو والحروب، فلا يجدون وليجة عنها،
فيوقعون بهم العقوبات، وينتزعون ما في أيدي الكثير منهم
يستأثرون به عليهم، أو يؤثرون به أبناءهم وصنائع دولتهم،
فيضعفونهم لذلك عن إقامة أحوالهم، ويضعف صاحب الدولة
بضعفهم. وأيضاً إذا كثر الترف في الدولة وصار عطاؤهم مقصراً عن
حاجاتهم ونفقاتهم، احتاج صاحب السلطان إلى الزيادة في
أعطياتهم حتى يسد خللهم ويزيح عللهم. والجباية مقدارها معلوم،
ولا تزيد ولا تنقص وإن زادت بما يستحدث من المكوس فيصير
مقدارها بعد الزيادة محدوداً. فإذا وزعت الجباية على الأعطيات وقد
حدثت فيها الزيادة لكل واحد بما حدث من ترفهم وكثرة نفقاتهم،
نقص عدد الحامية حينئذ عما كان قبل زيادة الأعطيات. ثم يعظم
الترف وتكثر مقادير الأعطيات لذلك، فينقص عدد الحامية، وكل ذلك
يجعل من العسكر أقل الأعداد واكثر نفوذا واستغراقا قي اللهو
والفساد وانشغلا بالحكم، فتضعف الحماية لذلك، وتسقط قوة
الدولة
ويتجاسر عليها من يجاورها من الدول أو من هو تحت يديها من
القبائل والعصائب، ويأذن الله فيها بالفناء الذي كتبه على خليقته.
وأيضاً فالترف مفسد للخلق بما يحصل في النفس من ألوان الشر
والسفسفة وعوائدها كما يأتي في فصل الحضارة، فتذهب منهم
خلال الخير التي كانت علامة على الملك ودليلاً عليه، ويتصفون بما
يناقضها من خلال الشر، فتكون علامة على الأدبار والانقراض بما
جعل الله من ذلك في خليقته، وتأخذ الدولة مبادىء العطب
وتتضعضع أحوالها وتنزل بها أمراض مزمنة من الهرم إلى أن
يقضى عليها.
ويشير الى أن انصراف الافرادوالجند الى الدعة والراحة
واتخاذهامألفاً وخلقاً وجعلها طبيعة وجبلة شأن العوائد كلها
وإيلافها،
فتتربى الاجيال الحادثة في غضارة العيش ومهاد الترف والدعة، فلا
يفرق بينهم وبين السوقة من الحضر إلا في الثقافة والشارة
فتضعف
حمايتهم ويذهب بأسهم وتنخضد شوكتهم ويعود وبال ذلك على
الدولة بما تلبس به من ثياب الهرم. ثم لا يزالون يتلونون بعوائد
الترف والحضارة والسكون والدعة ورقة الحاشية في جميع
أحوالهم،
وينغمسون فيها، فينسلخون عنها شيئاً فشيئاً، وينسون خلق
البسالةوالقوة والخشونة .وانه ربما يحدث في الدولة، إذا طرقها
هذا الهرم بالترف والراحة، أن يتخير صاحب الدولة أنصاراً وشيعة
فيتخذهم جنداً ويستكثر منهم، ويترك أهل الدولة المتعودين للترف
ويصيرون الى زوال باذن الحميد المجيد !!
وازدهارها وقوَّتَها على الأخلاق ومنظومة القِيَم، التي ترتكز عليها
الأمَّة في بناء شخصيات افرادها ، فشخصية الافراد ومنظومة القيم
هي ركيزة اي تقدُّمٍ وعافية للأمة، فيقول شاعر النيل:
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
إنَّ ما نفتقده الآن داخل مجتمعنا هوالاهتمام بالأخلاق و المنظومة
القيميَّة والعقَدِيَّة التي تؤمن بها الأمة والتوافق المُجْتمعي عليها
بحيث تصير نقطة الارتكاز لعافيةالمجتمع والا فنحن الى زوال
حتمي
وانهيار حضاري واجتماعي تشير اليه كل القواعد العلمية وسنن الله
في الخلق فهذا هو الاساس في كلِّ المجالات الحيويَّة؛ سياسيًّا
واقتصاديًّا واجتماعيًّافافتقاد الأخلاق وانحطاطها مؤشِّر لانهيار الأمة
الذي لا شكَّ فيه؛ لأنَّ محصِّلة افتقاد الأخلاق الكريمة؛ مِن صدقٍ
في المعاملة، وإتقانٍ في العمل، واحترامٍ للنظام، وأمانةٍ في الأداء،
والاستثمار الأمثل للوقت، واحترام الإنسان، والتأكيد على حقوقه
في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانيَّة، وتعهُّده بالتربية منذ طفولته
الأولى، وتثقيفه وتربيته على مكارم الأخلاق، وطلب المعالي،
والهمة العالية، وتعهُّدِه بالتوجيه السديد، والإعلام الرشيد... هي
الاساس الحق في حضارة الافراد والشعوب والامم.
ان فقدان العدالة وسيطرة الفساد والعسكر على مقدراتنا لهو
مؤشر خطيرلانحدار مستوى التعليم لدينا وافتقاد اهميتة خاصة في
مراحله الاولى واهميتة في بناء الشخصية ووصولنا الى ادني
الترتيبات العالمية وتولى مهام وزراء التعليم كل من لا يهمة التعليم
ولا المواطن اصلا وانخفاض مستوى الاداء والخدمات التعليمية
ومستوى المعلم وانهيار مكانتة العلمية والاخلاقية والاجتماعية كل
ذللك ليدق ناقوس الخطر الى ما نحن فية من اتجاة جنوني نحو
الهاويةوبئس المصير اللهم اني ابرأ اليك من كل ذلك اللهم اني
بلغت اللهم فاشهد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق