( دور الاعلام في الافساد النفسي)
(ج 2 )
بقلم دكتور : أيمن غريب قطب
ترى احدى الإعلاميات المختصة بشؤون المرأة أن أصحاب الفضائيات يعمدون إلى إفساد شهر الصيام بما يعرض على شاشاتهم الفضية، حتى القنوات المسماة بالدينية هي خطر أيضا في رمضان، ويجب التقليل من مشاهدتها حتى لا تأخذ المسلم من واجباته في هذا الشهر، مكتفيا بالمشاهدة دون تأدية العبادات والطاعات!!
. ان ما يبدو الان أن ما تقوم به بعض وسائل الإعلام من حرب على الصائمين في رمضان؛ له أثر كبير على هذه الشعيرة العظيمة، حيث تضيع فيها الأثر الروحاني والإيماني المطلوب والمبتغى من وراء هذه الفريضة، وهو التقوى كما أنها تفرغ الصيام من مضمونه، وتحوله إلى مجرد عادة أو طقس يتم تأديته من باب الفلكلور, خاصة في ظل تعود الكثير من المواطنين الجلوس أمام شاشات التلفزيون لمتابعة المسلسلات التي يخصص إنتاجها لشهر لرمضان المبارك في ظل التسابق الشرس بين القنوات الفضائية على عرضها، ولعل التلوث الإعلامي الحاصل تدخلت فيه مؤسسات الغرب بخطط مدروسه محكومة ، فما يعرض من مسلسلات لم يعد محكوماً بالمستوى المحلي، وإنما خرج ليواكب العولمة خاصة في ظل ظهور الكم الهائل من المسلسلات المدبلجة من ثقافات وعادات واخلاقيات وديانات مخالفة والتي تحمل أخطاراً من نوع آخر حيث تتغلغل في صميم الحياة وتفاصيلها.
لا تفسد رمضانك هذا هو العنوان الذي اختاره الداعية المصري الشاب مصطفى حسني لحملته الدعائية الجديدة التي تهدف لتوعية .الشباب "بالحفاظ على الصيام والعبادة طوال شهر رمضان، مستعينا بفن الكاريكاتير والإنترنت .
وخلال لقائه الشهري في صالون "ساقية الصاوي" الثقافي بمدينة الجيزة جنوب القاهرة الذي ضم مئات الشباب والفتيات أعلن حسني عن تدشين حملته الجديدة بدلا من إلقاء درس إيماني كان مقررا, وأوضح أن حملته سوف تستغرق الأسبوعين الأخيرين من شهر شعبان لتحذير الشباب من 15 ظاهرة سلوكية يجب عليهم التخلص منها قبل بداية الشهر العظيم,ومن بين هذه الظواهر التي "تفسد عزم وحلاوة استقبال رمضان"، يقول حسني، "تأخير الصلاة، وكثرة الزيارات الاجتماعية، وغياب حجاب البنات, واختار الداعية المصري بدء حملته قبل بداية شهر رمضان "حتى لا يكون الشهر عرضة للتجربة فتضيع حلاوة العبادة فيه". على حد قوله.
ان شهر رمضان المبارك فضيلة و نعمة الهية جليلة وعظيمة من اكابر نعم الله على المسلم وفرصة رائعة لمراجعة الذات ونقدها وصقل النفس البشرية كي تسمو في صيرورتها نحو التكامل والانطلاق نحو عالم الفلاح والصلاح والفوز والرقي، وهو شهر التأمل مع الذات لتطهيرها من العيوب والنقائص وشهر التواصل السلوكي والنفسي مع رب العالمين الذي اوصانا بترك سبل الشر والتمسك بسبل الخير التي توصل الانسان المسلم الى النجاة والفلاح.
وهو شهر التواصل مع القران الكريم الذي يدعو الى التمسك بمكارم الاخلاق ونبذ المفاسد التي توصل الانسان الى الهلكة في دنياه واخرته وهو شهر التكافل الانساني الاخوي بين المسلم واخيه المسلم بل وحتى جيرانه من غير المسلمين وهو شهر التعاطف والرحمة وان الله قد غل الشياطين فيه بالسلاسل والاغلال كما جاء في الحديث النبوي الشريف.
وما تقوم به وسائل الاعلام الآن هو بالضد تماما مما اراده الله لنا في شهر رمضان وما اراده الاسلام من بناء الكيان الانساني وتهذيبه واعلاء شانه وهذه القنوات... ما هي الا وسائل اعلامية مبرمجة وموجهة وفق سيناريوهات منظومة الغزو الثقافي الغربي لاحتلال العقل في بلدان العالم الاسلامي وتخريب منظومة السلوك الاخلاقي عند الفرد والمجتمع من خلال بث البرامج الداعرة والافلام والمسلسلات الخليعة والهابطة تحت مسمى الفن والفن الاصيل ولون رمضانك !!.
علينا ألا ننسى ولا للحظة واحدة واجباتنا التربوية تجاه أبنائنا في شهر رمضان المبارك، حيث يُعدُّ شهر رمضان الكريم بحق غنيمةً للمربين فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وَكَانَ أجود مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أجود بِالْخَيْرِ مِن الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ"(2).
فيُعدُّ شهر رمضان من أحسن المناسبات التي يتعلم فيها النشئ معنى التكافل، والشعور بالمسئولية نحو الفقير والمسكين، و جعل قلوبهم رقيقة لينة شديدة التأثر بالبيئة الأسرية وسلوك الكبار أمامهم وذلك بلقدوة والسلوك الحسن والنماذج المقدمة اليهم ، فعندما يرى الأطفال آباءهم وهم يُخرِجون صدقاتهم وزكاة فطرهم ويشاركونهم هذا العمل؛ فسيتعلمون منهم حب الصدقة، والرحمة بالفقراء، ويدركون معنى التكافل وبُغض الأثرة والأنانية مع تدريب الصغار على الممارسة العلمية للبذل ورعاية الفقراء.
ولابد من تربية الأبناء على المراقبة لله تعالى، وتذكيرهم بالآيات والأحاديث التي تدعم هذا الجانب، مثل قول الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء: 36]، ومعناه التحذير من أن تسمع ما لا يحل لك، أو تنظر إلى ما لا يحل لك، أو تعتقد ما لا يحل لك. مع ترديد ذلك مرارا عليهم والقراءة من الأحاديث ما يزكي معنى المراقبة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت»؛ وذلك بنبرة واضحة مع الأداء الصوتي الضاغط على كل حرف وكلمة من هذه الكلمات العظيمة، يصاحبها تركيز النظر في عيني الطفل والشاب ، مع ابتسامة حانية, مع تصحيح وبناء فكر سليم لدى الأطفال والشباب تجاه الإعلام، وأنه ليس كل ما يُعرض فيه يرضي الله تعالى أو يصلح للمشاهدة؛ لذلك لا بد أن يكون تعامل المؤمن معه انتقائيًّا، فلا يشاهد إلا ما يرضي ربه ويزيد في حسناته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق