الأربعاء، 5 يوليو 2017

الشخصية الذاتية المقامرة وواقعنا المصرى المعاصر

بقلم دكتور : ايمن غريب قطب

ترتبط الحريه والديمقراطيه وعمليات التقدم و التحديث الحضارى بالتغيرات السريعة و النوعية خاصة تلك التي سادت و ازدادت معدلاتها في العصر الحديث , و كذلك بعمليات التغير الاجتماعي في مجتمعاتنا المعاصرة .

ولعل هذه مشكلة كل مجتمع يسعى لأن يجد له موضع قدم في الحياة المعاصرة و من أهم ما تعالجه العلوم الاجتماعية و علم النفس بشكل خاص مثل هذه قضايا التحديث
و عند ملاحظة ما يحدث الان من أساليب و في مجتمعاتنا.. نجدها مقارنة بهذه المحكات تفتقد الكثير من هذه الخصائص و السمات المشار إليها آنفا . فنجد على سبيل المثال لا الحصر سيادة المنطق و الفكر العشوائي في حياتنا وغلبة أسلوب المقامرة و ليس المغامرة المحسوبة .
إن هذا النمط السائد في واقع حياتنا الراهنة نجده يطبع كثيرا من سلوكياتنا العامة و الخاصة.. فنجد الذاتية هي العنصر الغالب بيننا .. فكل منا يركز على ذاته و هناك تضخم أو تضخيم لهذه الذات ..و تكاد تغيب النزعة نحو الفكر الجماعي أو العمل الجماعي على حد سواء ... و يبدو هذا في كافة قطاعات الحياة لدينا من اعلى المستويات و ارقاها إلى ادناها و أقلها شأنا دون استثناء .. ففى السياسه حدث عن ذلك بلا حرج اما فى المستوى العلمى والاكاديمى فهناك تنافس فردي على مستوى الأفراد و الأبحاث العلمية والأكاديمية يأخذ طابعا سلبيل تنافريا حيث قل أن تصادف أعمالا مشتركة أو تعاونا جماعيا رغم أنه أمر مطلوب إن لم يكن أحيانا ملحا . بل نجد هناك تنافرا كبيرا و مشاكل و خلافات و أحقادا فى هذا المجال رغم أنه أرقاها . و هناك نزعة أنانية عموما لدى المثقفين و المشتغلين بالعلم في مجتمعاتنا ..
و إننا إلى الان لم نستطع القضاء على الأمية سواء على المستوى الرسمي أو الأهلي و فشلنا في ذلك . و ما زالت نسبه الأمية مرتفعة جدا في مجتمعاتنا خاصة في المناطق الريفية أو شبه الريفية والأقل مستوى اجتماعيا و اقتصاديا و لدى شريحة واسعة من النساء .
إننا نفتقد في حياتنا ما يسمى بالتخطيط القائم على الفكر الاستراتيجي الواعي. فليس هناك بوجه عام رغبة أو قدرة لدى من يتولون المسئووليات على تقبل النقد أو النقد الذاتي و المرونة عموما و التفكير المرن خاصة أو الاستنارة و الاستشارة حتى يمكن أن ننجح في حياتنا .. هذا على مستوى المسؤولية الشخصية و الجماعية كما أنه ليس هناك ضمير جمعي أو إحساس بالملكية العامة أو الحرص على الرأي العام أو المال العام فنادرا ما نجد ذلك مع قلة الوعي الاجتماعي بذلك ،وقد قل بيننا من يحرصون على ذلك . بل إن هناك من الشواهد و الأدلة ما يدل على عكس ذلك تماما .
فأسلوب الحياة الشخصي لدينا قائم على المقامرة و الذاتية .و ليس هناك تخطيط واع أو دقيق أو رؤية استشرافية مستنيرة لحياتنا الحالية و المستقبلية قائمة على الواقعية. كما نجد الكثيرين يسعون نحو المجازفة غير المحسوبة و الكسب السريع مع عدم الانضباط المنتشر في كافة قطاعات حياتنا من قلة الدقة في المواعيد والعمل إلى تسيير أمور الحياة والمواصلات و الشوارع و النظافة ... إلى غير ذلك في شتى المجالات .
لقد أدى ذلك إلى سيادة مشاعر القلق و الاضطراب النفسي و الاجتماعي في حياتنا المعاصرة . بالإضافة إلى سيادة أنماط الشخصيات الغير مسؤولة و اللامبالية أو السيكوباتية غير المكترثة بأي قواعد أو قوانين أو أخلاقيات أو عرف اجتماعي أو ديني .. بل أصبحت هناك سطحية و عدم دقة في تناول الكثير من أمور الحياة لدى الكثيرين .
و ليس أدل على ذلك من مجال الفنون و والتذوق الجمالى. و أسلوب الحياة القائم على قتل الوقت و ضعف الانتاج و أساليب الترفيه الراقية و فجاجة أساليب لتعبير عن المشاعر و افتقاد الذوق الجمالي و المشاعر العامة و احترام حرية وكرامةالآخرين و من ناحية اخرى ساد لدى جموع الشباب أسلوب المجازفة الخطيرة في تصرفاتهم و سلوكياتهم ... كما طغى الفكر العشوائي و الخرافى القائم على الشعوذة و الخرافات و الدجل . و تفاقمت الأحقاد و الكراهية و الحسد و غير ذلك من المشاعر السلبية بين الأغلبية . أضف إلى ذلك الشخصيات الوسواسية .. و بشكل عام ليست هناك محاسبة جادة للذات أوللآخرين .
قد يقول البعض لقد أظهرتنا بصورة شديدة القتامة.... و الرد على ذلك بأن هذا و إن كان صحيحا إلى حد ما فهو يعكس الواقع الحقيقى.. ومن الموضوعية الا نخفى ذلك عن انفسنا وهذه ليست نزعة إلى التشاؤم أوالاكتئاب أو جلد الذات... و إنما هى نداء للصحوة و دعوة إلى توخي النقد الذاتي البناء القائم على الواقعية .
كما تعكس رغبة صادقة في التصحيح .و إعادة الأمة إلى مكانتها و إيقاظها من سباتها . و ذلك على أسس من المحبة و الحرص على المصلحة الخاصة و العامة ... فما الحل إذن ؟ !
الحل هواليقظة و إعادة تنظيم أمور الحياة و استدراك هذه الأخطاء . و البداية تكون من الذات مرورا بالاخرين ... فليبدأ كل منا بنفسه و ممن هو تحت مسؤوليته ورعايته . و اتباع تعاليم الأديان جميعها و الدين الإسلامي خاصة في جوهرها و ليس الأخذ بمجرد الشكل الظاهري منها مثل الطقوس الدينية و العبادات أو التعصب الأعمى والتنافر بينها ... لابد من أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا . فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق