مشكلةالدونية واحتقار النفس والجماعة
بقلم دكتور : ايمن غريب
ان من بين كلِّ الأحكام التي نُطلِقُها على الناس والأحداث من حولنا, نجد أن أهمَّها هو الحكم الذي نطلقه على أنفسنا، وما نشعر تجاهها وكذلك الآخرين او المجتمع من حولنا. وتقدير الذات يعنى به مقدار الصورة التي ينظر فيها الإنسان إلى نفسه، هل هي عالية أم منخفضة. ويعد تقدير الذات مهم جدا من حيث أنه هو البوابة لكل أنواع النجاح المنشودة. فمهما تعلم الشخص طرق النجاح وتطوير الذات، فإذا كان تقديره لذاته وتقييمه لها ضعيفا فلن ينجح في الأخذ بأي طرق النجاح الفعاله، لأنه يرى نفسه غير قادر وغير أهل وغير مستحق لذلك النجاح.
و تقدير الذات لا يولد مع الإنسان، بل هو مكتسب من تجاربه في الحياة وطريقة رد فعله تجاه التحديات والمشكلات في حياته. وسن الطفولة هام جدا لأنه يشكل نظرة الطفل لنفسه وبالتالى يجب التعامل مع الأطفال بكل الحب والتشجيع، وتكليفهم بمهمات يستطيعون إنجازها فتكسبهم تقديرا وثقة في أنفسهم، وكذلك المراهقين.
و تقدير الذات درجات تصل الى احتقار الذات ومن ثم ينعكس هذا على سلوك الفرد الاجتماعي فيجعله ينظر للآخرين نظره دونيه محتقرة ويسللك معهم سلوكا يدل على هذه النظره المنخفض للذات، ومن علامات هذا التدني الانطوائية، والخوف من التحدث على الملاء او مواجهتهم او اخذ رأيهم والتعامل معهم بحرية وديمقراطية ، إتعاب النفس في إرضاء الآخرين لتجنب سماع النقد منهم، بل إن العنف والعدوانية وعدم تقبل النقد هي صور من ضعف تقدير الذات، لأنها عملية هروب من مواجهة مشكلات النفس.ولا يجب الخلط بين تقدير الذات والثقة بالنفس، فإن الثقة بالنفس هي نتيجة تقدير الذات، وبالتالي من لا يملك تقديرا لذاته فإنه يفتقد الثقة بالنفس كذلك.وضعف تقدير الذات وتدنيها واحتقارها ينمو بسبب كثرة الهروب من مواجهة مشكلاتنا وجروحنا الداخلية، وتغطيتها وعدم الرغبة في إثارة الحديث عنها. والحل يكمن في مواجهتها ومعالجتها بسرعة، ولكن هذا يتطلب شجاعة في أن يعترف الإنسان بأخطاءه وبعيوب نفسه، لذلك كانت المهمة الأولى في معالجة نقص تقدير الذات هي رفع مستوى الشجاعة عند الفرد ليواجه عيوبه ويعمل على حلها. ورفع مستوى الشجاعة يكون بالحديث الإيجابي للنفس بأنها غالية وعزيزة ولها قدر عالي عند صاحبها.
وللأسف الشديد من واقع تجاربي العلمية و الشخصية والحياتية والخبرات العلمية ومنها الحالات النفسية والارشادية كثيرا ما اجد في مجتماعاتنا من ينظرون الى انفسهم ومن ثم الآخرين هذه النظره السلبية المتدنية فمثلا نجد من يقول بلا استحياء احنا خدنا على العبودية احنا عايزين اليى يمسكنا بقبضة من حديد ولابد من ضرب المعارضين وقتلهم وسحلهم ما هم يستهلوا جابوه لنفسيهم..انا عبد المأمور...ان كان لك عند الكلب حاجه قولوا يا سيدي !!احنا عبيد البياده(الحذاء العسكري) وقد رأينا صوره لاحد الأفراد يضع على راسه بيادة ويربطها للتدليل على ذلك ..ما ينفعش معانا غير الخسيس او الجبان. اصلنا اخدنا واتربينا على كده ولابد من الضرب بالجزمه..طول عمرنا بنمشي بالكررباج او السوط.......الى آخر ذلك
وهناك ما يطلق عليه في علم النفس متلازمة ستوكهولم وهو مصطلح يطلق على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع من اذله او قمعه اوعدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، فيظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف.وقدأطلق على هذه الحالة اسم "متلازمة ستوكهولم" نسبة إلى حادثة حدثت في ستوكهولم في السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين Kreditbanken هناك في عام 1973، واتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم.
فعندما تكون الضحية تحت ضغط نفسي كبير، فأن نفسه تبدأ لا إرادياً بصنع آلية نفسية للدفاع عن النفس، وذلك من خلال الاطمئنان للجاني، خاصة إذا أبدى الجاني حركة تنم عن الحنان أو الاهتمام حتى لو كانت صغيرة جداً فإن الضحية يقوم بتضخيمها وتبدو له كالشيء الكبير جداً. و في بعض الأحيان يفكر الضحية في خطورة إنقاذه، وأنه من الممكن أن يتأذى إذا حاول أحد مساعدته أو إنقاذه، لذا يتعلق بالجاني.
تظهر هذه الحالات كذلك في حالات العنف أو الاستغلال الداخلي، وهي حالات العنف أو الاستغلال: (عاطفي، جسدي،) التي تحدث داخل العائلة الواحدة، خاصةً عندما يكون الضحايا أطفال، يلاحظ أن الأطفال يتعلقون بالجناة بحكم قرابتهم منهم وفي الكثير من الأحيان لا يريدون أن يشيروا بأصابع الاتهام إليهم.
وعلى صعيد المجتمع، يمكن ملاحظة هذا التأثير في الأنظمة القمعية كما يحدث الآن، عندما لا تملك السلطة شرعيتها من أغلبية الشعب، فتصبح وسيلة الحكم القمعية ضاغطة على افراد المجتمع، ولمدة طويلة، يطور خلالها الافراد علاقة خوف من النظام، فيصبح المجتمع ضحية النظام ويظهر ما يطلق عليه ابوية النظام فتجد من يقول لك ان هذا القمعي او الظالم ابونا حرام عليك اعتبره ابوك يا اخي!!، ويدرك النظام هذه الحالة مع الوقت، حتى يتقن لعبة ابتزاز المجتمع. فيعتاد الشعب على القمع والذل لدرجه تجعله يخشى من التغيير حتى وإن كان للأفضل ويظل يدافع عن النظام القمعى ويذكر محاسنه القليله جدا دون الإلتفتات إلى مظاهر القمع والفساد الكثيره..
ومن الممكن والجائز أن يصاب بأعراض هذا الاضطراب من تعرضوا لصور أخرى من الاضطهاد مثل الاغتصاب أو الضرب المبرح أو في المعتقلات السياسية.
فتجد الكثيرين ممن خرجوا من المعتقلات السياسية وبالذات من تم تعريضهم للتعذيب الجسدي أو النفسي الشديد يخرجون بصورة مغايرة تماما لما كانوا عليه وبقناعات جديدة معاكسة لموقفهم الأول ويدافعون عمن اضطهادهم بضراوة. في بعض الحالات يعتبر ما يحصل منهم عن متلازمة ستوكهولم واضحة.وينبغي التنبه إلى أن هذه الحالة مختلفة تماما عما يطلق عليه (غسيل الدماغ).
وبشكل غريب, يشعر المظلوم أن عليه أن يرضي الظالم وأن يدعمه ويدخل السرور على نفسه أثناء الظلم حتى يتجنب أذاه. يتعلم المظلوم أو المضطهد بسرعة فائقة ما هي الأشياء التي تسعد الخاطف فيسارع إلى تقديمها. تصل الرغبة في ارضاء الظالم الحد الذي يتجاهل المظلوم رغباته اوحاجاته النفسية كانت أو جسديةاو الاجتماعية فمن كان يشكو من سوء الاحوال ... الآن الاحوال اسوء بكثير ولكنه يقول ما اجملها وهل من مزيد او بلغة الصعايده كمان وكمان !!.
ولو بذلت أي محاولة لإنقاذ هذا المظلوم, فإنه لا يرفضها فقط بل يعتبرها مصدر تهديد له ولذلك فإنه يقاومها بل ويقدم المساعدة لمن يختطفه خاصة ذهنيا او عقليا!!.وبعد أن يبتعد عن الظالم نسبيا ويصبح في مأمن منه, يمر المصاب بهذه المتلازمة بحالة نفسية أخرى وهي أيضا حيلة نفسية غير واعية تسمى الإنكار (Denial) لكل ما مر به ويعتبره مجرد حلم. هذا الإنكار لا يبعده في الواقع عن الإعجاب بالظالم, بل إنه يبدأ بتقليده ويحاول أن يتصرف مثله.
ينتج عن الابتعاد أيضا حالة من الحيرة بين الإعجاب والخوف من الظالم تجعل المصاب بمتلازمة ستوكهولم مترددا في أن يكره ظالميه أو حتى يلقي عليهم أي لوم ويوجه اللوم كله إما إلى نفسه أو من يريد أن ينقذه. لا يرى في ظالميه أي ميزة سيئة ولا يقبل أن تقال عنهم أي شيء سلبي من قبل الآخرين.ولعل القلق والخوف الشديد تمنعه من تقبل أي خيارات أخرى للتعامل مع هذه الأزمة النفسية.وتعتبرهذه الاعراض وسيلة هروب من ضغط نفسي رهيب ولكنها تتم بالتأقلم معه.
ولا نغفل هنا دور الاعلام في التأثير على هؤلاء الافراد واحيانا بعملية غسيل المخ
فغالبية الإعلام لدينا موجه او ما يطلق عليه الرسمي الباهت التافه، الذي حاول يائسًا مساندة الأنظمة المتهاوية، ووجدت الأنظمة المتهاوية به سلاحًا لبث أكاذيبها للناس، ولأن القائمين على هذا الإعلام يعلمون أن سندهم ليس الأمة، وأنهم في نظر الناس «كذابون» فقد بدا عليهم الارتباك والخوف الشديدين، حتى إن بعض الحكومات تقيل العديد من المسئولين الشرفاء بل وتحاكمهم لمجرد قول الصدق او الحقيقة ولذا تجد الانظمة القمعية لماأحست بخطرها وتأثيرها، ألغت حتى القليل من الحرية المتاح وجعلت الاعلام بوقًا قذرًا يقدس النظام، ويسب الناس ويسفه أحلامهم، ويوسع دائرة التهم لكل من يتحرك ضد النظام، فمرة يصفهم بالخارجين على القانون ومرة بالمندسين أو القلة او الارهابيين، أو غير ذلك من النعوت التي زادت هذه الإعلاميات بعدًا عن الناس أو التأثير فيهم، بل زادت الناس نفورًا وبحثًا عمن ينقل صوت الناس ويذيعه.ناهيك عن وجود من في الاعلام من متردد او منافق يتبع فكرا او نظامااو دولًا غير مبدئية ولا تفهم حتى المصلحة بالمفهوم الغربي الميكيافلي.
ويمكن القول إن الشبكات الاجتماعية استطاعت أن تترجم حالات السخط الشعبي والجماهيري على الأنظمة الحاكمة في شكل جماعات منظمة استطاعت استخدام التكنولوجيا الحديثة في التواصل، وتشكيل مجموعات متجانسة ومتناسقة، وخلق رأي عام نوعي بدأ افتراضياً وتحول إلى حقيقي، وخاصة بين المتعلمين والمثقفين إلى شكل شعبي وجماهيري، استقطب مزيداً من الاعتصامات والاحتجاجات في تحالف للقوى والجماعات المقهورة سياسياً، واجتماعياً، وأمنياً، واقتصادياً، واجتماعياً. وأصبح لدى الغالبية العظمي قناعات بأنها لن تخسر أكثر مما خسرت، وتصاعدت حدة المواجهات بين جموع شعبية تصر على المطالبة بحقوقها المشروعة، وأنظمة استبدادية متعنتة ومتسلطة تصر على إنكار حقوق هذه الجموع الشعبية الحاشدة، وتراها قلة مندسة بتبريرات واهية عن وجود قوى خارجية. ومع مرور الوقت، تبين زيف ادعاءاتها، واستطاعت الشبكات الاجتماعية أن تلعب دور الإعلام البديل بنجاح، من خلال توفيرها لوسائل سهلة سريعة آمنة من أجل التبادل الحر لل
ومن ثم فانه على المستوى الارشادي والعلاجي يجب على الآباء أو المربين النهي عن توجيه بعض الرسائل السلبية لانفسهم اوللنشئ اطفالا او شبابا حتى لا تبقى محفورة في اذهنهم مثل ( إنت ما منك فايدة ) أو ( لو .... كان فهم ) مستخدمين اسم بعض الحيوانات أكرمكم الله .. إلى آخره من هذه العبارات
وكذلك الامتناع عن توريث النفس و الأبناء الخنوع والضعف وقلة القيمة من قبل آباءهم او المؤسسات التربوية والاعلامية حيث ثبت أن الطفل او الشاب يتعلم هذا النوع من السلوك فتضعف شخصيته وينطوي على نفسه ويكره الظهور أمام المجتمع وبالتالي يحتقر ذاته ولابد من وجود اهدف واضحة للحياة وقيمة مرتفعة واعلاء للذات والآخرين، والاقتداء بالنماذج الايجابية العليا كالرسول علية الصلاة والسلام والصحابة او من للآخرين والبعد عن النظر اليهم كأنهم نجوم بعيدة المنال لا يمكن الوصول إليهم فكل هذه الأمور ولربما غيرها تجعله ينتقص من قيمته ومن آدميته وكيانه بشكل يتفاوت من شخص لآخر وقدنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن احتقار الذات ففي حديث له قال "لا يحقر أحدكم نفسه" قالوا: يارسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: " يرى أمراً لله عليه في مقال، ثم لا يقول فيه فيقول الله عز وجل يوم القيامة: ما منعك أن تقول كذا وكذا فيقول: خشية الناس، فيقول فإياي أحق أن تخشى..) رواه أحمد في المسند
و لنعش حياتنا وفقا لمبادئنا الاسلامية التي تأمرنا بعدم احتقار الأمور ( ولو أن تلق أخاك بوجه طلق ) حيث تكمن قيمة العمل في النتيجة المترتبه على الفعل لا في تكلفة الفعل نفسه يقول العالم جوته ( اشر الضرار التي ممكن ان تصيب الإنسان هو ظنه السيئ بنفسه ) و يقول آرنس هولمز في كتابه النظريات الأساسية لعلم العقل ( أفكاري تتحكم في خبراتي ، وفي استطاعتي توجيه أفكاري ) .