الاثنين، 27 فبراير 2017

التوجية والإرشاد الاجتماعي والأسري


( رؤية نفسية إسلامية )




بقلم دكتور / أيمن غريب قطب

لعله من المناسب هنا تقديم رؤية نفسية إسلامية قائمة في الأساس من خلال المزج بين الأصول الإسلامية المعتمدة على الكتاب و السنة و اجتهادات العلماء و السلف الصالح و بين نتائج علم النفس الحديث . أو توظيف نتائج علم النفس الحديث و ما يرتبط به من علوم أخرى لصالح البيئة الثقافية و الاجتماعية . و عمليات التوجيه و الإرشاد ذات المواصفات الاجتماعية و البيئة الخاصة بنا و بمجتمعاتنا الإسلامية على وجه التحديد . و بيئتنا الشرقية و ظروفنا الأسرية الخاصة و عاداتنا و تقاليدنا التي ننتمي إليها . و ذلك أيضا من خلال توخي المرونة العقلية و محاولات التطوير و التحديث الهادف و الظروف الاجتماعية المستحدثة التي تمر بها مجتمعاتنا .
و لعله من خلال تجاربي و خبراتي الإرشادية عبر سنوات طوال و دراساتي النفسية و التدريس الجامعي يمكنني القول أن المزج هنا ليس من قبيل أي مزج و ما أقصده المزج لمجرد المزج لا غير أو بالطرق العشوائية و ينتهي الأمر. لأن الناتج سيكون أية محصلة و بأي مذاق . إنما لابد أن يكون الأمر محسوبا بدقة و من خلال الأسلوب العلمي الدقيق و نتائج علمية محسوبة . بل وأيضا من خلال التناول الدقيق و مرونة الفكر و العقل و التطبيق معا . فليس هناك في هذا المجال العلمي ما يمكن أن ينطبق على كل شيء و بأي شكل كان . إنما هي قواعد عامة ومن خلال نتائج علمية محسوبة و دقيقة . و إذا كان الأمر كذلك فإنه لابد أن توضع في الحسبان المتغيرات الخاصة بكل حالة حتى يمكن النجاح في التطبيق . فلكل حالة خصوصيتها و تميزها و بالتالي كيفية تناولها. كما لا ينبغي إهمال التقنيات العلمية الدقيقة و الأساليب العلمية المستحدثة . فأسلوب التوجيه و الإرشاد الاجتماعي بشكل عام و الأسري بوجه محدد هو علم و فن . أي هو تناول علمي و ليس اجتماعيا بحتا و هو فن في التناول . و من وجهة نظري ينبغي الابتعاد عن أسلوب الخطابة و عمليات ما يمكن أن نطلق عليه التصبير و المثابرة فقط !!! . و الاستشهاد بكل الجوانب الإيمانية لتدعيم ذلك . فقد يكون الأمر قد تجاوز الحد و ليس هناك مجالا لا للصبر أو المثابرة . و قد تكون دواعي التغيير ضرورة ملحة . و قد يقتضي الأمر تدخلا يشبه العمليات الجراحية . بمعنى آخر أنه لا مجال للتسكين و التهدئة . و إنما لابد من التغيير . إن التغيير أو الحسم هنا ضرورة ملحة . ويعتبر الربط بين عمليات التوجيه و الإرشاد الاجتماعي و الأسري هنا على وجه التحديد بالعقيدة أمر محسوم من وجهة نظري بل و ضرورة هامة .و يعد أعظم الأسس في استمرارية الإنسان المسلم في حياته الخاصة و العامة .
ويبدو هنا أنه من أنجح السبل جعل المسترشد يستشعر بمراقبة الله سبحانه و تعالى له. أو صحوة الضمير و مراقبته له و استشعار جلال الله و عظمته و خشيته في كل الظروف و الأحوال مع الحب له أيضا . و هذا من شأنه أن يقوي القوة النفسية و الإرادة الذاتية لدى الفرد المؤمن خاصة . فلا يكون عبدا لشهواته و لا مستلذا لذاته و لا خاضعا لأهوائه و رغباته و لا أسيرا لأطماعه و حاجاته . بل يكون الله و رسوله أحب إليه ممن سواهما . و ذلك إتباعا لهدي الله سبحانه و تعالى ( و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) : المائدة : 50 . و أيضا قوله سبحانه ( و ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا ) : الحشر : 7 .
و من أعظم السبل في عمليات التوجيه هو طريقة و أسلوب توضيح العيوب و المثالب المؤدية إلى المشكلة لدى المسترشد . و كيفية إقناع الفرد بتركها و التخلي عنها بل و النفور منها . و هذه التعرية و التوضيح إذا جاز التعبير هي من لب و جوهر الدعوة الإسلامية و من صميم الأسلوب العلمي الحديث في مجال علم النفس أيضا . فمثلا كان القرآن مليئا بالأساليب الداعية إلى تعرية الشر و فضح الباطل و عدم مواربته أو السكوت عنه. و إقناع الأفراد خاصة الجاهلين و الجاهلات منهم بضرورة نبذ الأساليب و التقاليد البالية و العادات المستهجنة و هجر شرورها و آثامها و كل ما يترتب عنها . و مثال ذلك الخمور و المخدرات بأنواعها و الزنا و الربا و الميسر و قتل النفس و أكل مال اليتيم . فلم يحرمها الإسلام إلا بعد أن عراها و ذكر مساؤها و مثالبها .و أهاب بأصحاب العقول الراجحة و الفهم أن ينفروا منها و يبتعدوا عنها لكونها تؤدي بالفرد و المجتمع إلى أسوأ النتائج وأفدح العواقب و أفظع الخسائر .
أما العنصر الثالث في هذا المجال فهو تغيير البيئة و العوامل المؤدية إلى حدوث ذلك و تدعيمه و تقويته . و هو من أعظم السبل و الطرق الإسلامية و من أفضل طرق الإرشاد و التوجيه في علم النفس الحديث أيضا .
فقد كانت الهجرة أحد الحلول الجذرية و القرارات الحاسمة في تاريخ الدعوة الإسلامية للخروج من دائرة السوء و المهانة و التحطيم و الإحباط للدعوة . و الانطلاق بالدعوة الإسلامية و رسالتها إلى آفاق عظمى . حتى أنه يؤرخ من هذا التاريخ ( التاريخ الهجري ) باعتباره فارقا عظيما في تاريخ الإسلام و البشرية جمعاء . و الهدف من ذلك هو تكوين و إعداد بيئة صالحة لا مكان فيها لسلبيات و عيوب ومحطمات البيئة الجاهلية السالبة . و لا تقترف في أجوائها الآثام و المحرمات . و إقامة بيئة جديدة ذات دعامات و إيجابيات متينة و بأسس توجيه و إصلاح الفرد المسلم في مجتمع جديد يحكمه العدل و المساواة و القيم و الأساليب القويمة .
و نقطة الإصلاح في علم النفس الحديث هي تغيير البيئة السالبة أو الفاسدة سواء كانت بيئة نفسية أو اجتماعية أو مادية أو كل ذلك معا . و هذه البيئة المحيطة السالبة ثبت أنها أقوى في إحباط الفرد و العود به إلى السلوكيات السالبة و الإجرام و الفساد مهما كانت التوبة أو الصلاح . فعلى سبيل المثال تبين أن الأشقياء و المجرمين و غيرهم إذا عادوا مرة أخرى إلى المؤسسات الإصلاحية أو رفقة السوء أو البيئة السالبة سرعان ما يعودون إلى ما كانوا عليه و يستسلمون تماما لذلك الواقع . و يذهب كل شيء هباء منثورا .
و إذا كان للوعظ و التذكير في الدعوة الإسلامية أمر جلل . فلابد أن يمزج بأسلوب العلم الحديث و نتائج العلوم و الأبحاث و الفكر المستنير و النصيحة غير المباشرة و المناقشة الهادئة و التبصير الهادف بحقائق الأمور و مجريات الأحداث و التمثل بالنماذج الهادفة و المثلى قديما و حديثا . والتوعية بمبادئ الإسلام و أسس الخلق القويم و آثارها الإيجابية و تكرار ذلك دون رتابة أو ملل .
و هناك مزيج من الأساليب الإسلامية و العلمية التي يمكن من خلالها تدعيم عمليات الإرشاد و التوجيه و منها التنويه و التذكرة و التدعيم الإيجابي و السلبي للأساليب المرغوبة و المنفرة و بالطرق المعنوية و المادية أو المحفزات المتنوعة وفقا لكل موقف و كل ظرف و حالة . و قد لا يجدي أحيانا إلا التهديد و الوعيد !!! . أو الحض و النصيحة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بأساليب شاملة . و كذلك الإغراء و الترغيب أيضا بجوانبه و محفزاته المتنوعة .... .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق