الاثنين، 26 ديسمبر 2016

سقوط حلب لايعنى حسم المعركه لصالح التوجه الاقليمى !

بقلم : على بركات 

إذا أردنا أن نبحث المشهد فى سوريا بوجه عام وحلب الشهباء بوجه خاص فلا حديث عن منطقية الاشياء ولامجال لإستحضار الثوابت ، أو الحديث عن قيم وموروثات ... فردة الفعل الاقليمى على كل المستويات تجعلنا نعيد النظر فى التركيبة الجينيه لبعض البشر ، لربما طرأت عليه صفات نزعت منه فطرته الاولى ... فلم أجد مرحله كهذه فى التاريخ ، تجتمع فيه البشريه على ذبح الانسان بهذا الشكل السافر المفزع كما هو الحال حيال موت الانسان فى حلب الشرقيه ، برغم تسليط الاعلام العالمى الضوء على الحدث ( وإن كان يفرغه من معظم الحقائق ! ) إلا إنه يعرض فى كل يوم جثث لموتى على تلفازه وصفحات جرائده صباح مساء ... ، حلب نزعت ورق التوت عن وجه التحضر والتمدن وديمقراطية العالم الحديث ، فأكوام الموت فى الطرقات وبحار الدم المسكوب وبربرية مرتزقة الغرباء شريكة القتل على ارض حلب ... موجه تتاريه عارمه قبيحه كتلك التى استباحت ارواح اهلنا فى حلب الشهباء فى العام 1260 ميلادى ... ، لكنها لم تنهى الوجود الحلبى ... فكما أعقبها بثمان سنوات عين جالوت بنصر مؤزر ... ففى الطريق الف عين جالوت تنتظر البغاه .. فتاريخ الامم لايقاس باللحظات ولابالسنوات ، والايام حبلى بالمفاجأت !!!.

برغم أن المعركه غير متكاقئه على كل الاصعده من الجانب المادى ... إلا انه فى الميزان العقائدى الذى يركن إليه الثائرون على الارض فى وجه ( طاغية سوريا ومرتزقة إيران وربيبها نصر الله بميليشياته وطائرات روسيا ) لايرقى لان يكون سبب جوهرى ، فالصراع مازال قائم ولن يهدأ ... وسيزداد ضراوه فى الايام القادمه .
فلا مجال للتصفيق لطاغية سوريا بدخوله حلب وتهجير اهلها ، فهو لايملك حركة قدميه على الارض سوى بقرار ... ولايسيطر سوى على ثلاثون بالمائه من سوريا ( المنطقه الخضراء ) ، ولايملك سوى عشره بالمائه من القوه العسكريه على الارض ، وترتع فى ربوع سوريا أكثر من ستون ميليشيا مرتزقه وروسيا التى أفسحت المجال لإيران فى سوريا بغطاء إقليمى أميركى من وراء الستار .
فإيران تتحرك فى اربع عواصم عربيه (بيروت ، بغداد ، صنعاء ، دمشق ) وفق مشروعين أحدهما إيرانى ، والاخر غربى ، يترك الغرب لإيران هامش تتحرك من خلاله فى إطار محدد سلفاً ... وكما تقتضيه تطورات المشهد على الارض ، يضمن للغرب الحفاظ على مصالحها واستثمار الخلاف المذهبى الإيرانى... فدور إيران ( وظيفى ) وان كان يبدوا غير ذلك ، ولايرقى بأى حال إلى تحرك ( إستراتيجى ) ! ، ومن الممكن القول ان إيران دون أن تفطن تحارب بالوكاله.
وروسيا التى كانت تنفذ أكثر من الف وخمسمائه ضربه جويه يومياً لإلقاء الحمم على المدنيين فى حلب ، بالتنسيق غير المسبوق والغير معن مع واشنطن ، لاتملك حسم المعركه بالمعنى العسكرى ، فما هى سوى عنصر مساعد فى المعادله الكيميائيه ... وليس ثمة قوه عسكريه ترتع على ارض سوريا تملك شجاعة وقدرة المواجهه على الارض ، وإلا لانتهت الثوره السوريه من ثلاث سنوات مضت !!!.
مَن يعى الثوره فى سوريا يعلم جيداً أنها تعيش أجواء الكر والفر لطالما إضطرتها الظروف لحمل السلاح ، وأن الثوار شارفوا على دخول دمشق مراراً ، وفى كل محاوله ينقطع عنهم المدد العسكرى بإعاذ من الكبار فى الغرب ويتم العوده إلى الوراء ... من يملك القرار الاستراتيجى فى المنطقه يريد للصراع ان يظل قائم حتى تصل الامور الى مرحله من العجز ... تجبر الثوار على الإذعان لما يقرره الغرب وتنصيب من يرضون ( دينه السياسى وخلقه الديمقراطى ) ، وحتى تصبح الحاله السوريه مثال سئ لشعوب المنطقة التى تتطلع للحريه والفكاك من الهيمنه الغربيه ، وثمة سبب طارئ آخر برز للغرب وهو خلق حاله من التوتر فى المحيط التركى، بعد أن فشل الإنقلاب العسكرى على السيد الرئيس رجب طيب أردوعان ، فالغرب يعلم أن أمن البيت يبدأ من محيطه الخارجى والجانبى ، ولذلك يريد إقحام أنقرا فى الصراع على حساب التنميه لإضاعة الظهير الشعبى للحزب الحاكم فى تركيا الحديثه ، ولقد فطن إليها السيد الدكتور نجم الدين أربكان حينما أعلنها ـ إذا رأيتم أحد يعبث فى سوريا فهذا إنذار يهدد تركيا ـ وثمة دلالات كثيره تبرهن على صحة حدسه السياسى ... فما تلبث تركيا أن تنتهى من عمل إرهابى حتى يحدث غيره ، واخرها إغتيال السفير الروسى ، ومحاولات الاستفزاز مستمره ترقبها الاداره الحاكمه فى انقره بعينٍ ساهره يقظه.
والقول الفصل أن حلب دوره من دورات العمل الثورى فى سوريا... ستولد شحن ثورى أكثر جساره والايام القادمه ستأتى بالمفاجأت فالثوره مازالت لها أنياب قادره على تمزيق من يقف الحاؤول ليعرقل سيرها !.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق