الأربعاء، 20 يوليو 2016

تركيا كما يقول نعوم تشومسكي: الغزو مستمر (!!)

بقلم : على بركات

في مقالٍ سابق تناولنا فيه المسألة التركية عقب الانتخابات الاخيرة بيّنا أن تركيا تقع بين كيد دول المركز والوعى الشعبي. كما بينا أن إرباك الداخل التركي هو أحد الاستراتيجيات الاقليمية التي تكيد للنظام الحاكم حسداً وحقداً ـ على طريقة التعبير المصطبى، وشاهدنا بالفعل كَمْ العمليات الإرهابية التى كان آخرها فى محيط مطار اتاتورك الدولى. وأثنينا على وعى الشعب التركى الذى يمتلك قدراً كبيراً من الثقافة المعرفية التى أهلته لضبط اختياراته التى تمخض عنها مجيء حزب العدالة والتنمية لسُدة الحكم بنسبة (49 بالمائة). وتجلى هذا الوعى فى أبهى صورة الحضاريه بالامس الخامس عشر من يوليو تموز، حيث قامت جماعة من (المتطرفين) فى الجيش التركى موالية للمفكر الاجتماعى محمد فتح الله كولن المقيم فى الولايات المتحدة الاميركية بمحوالة إنقلاب بائسة يائسة على المسار (الديمقراطي). وقد شهد العالم كيف كانت ردة فعل الشارع التركى فى مواجهة هذه الشرذمة من العسكر ، وبلغ بهم الامر ان قاموا بضرب واعتقال بعض الجنود وتسليمهم لقوات احداث الشغب والقوات الخاصة التابعة للشرطة التى تعى مهمتها والتى قامت به على اكمل وجه وكما حتمت عليهم (الضرورة الوطنية).
إستناداً للرؤيا السياسية الحاضرة نستطيع ان نجزم بشكل بلغ مبلغ التواتر المعنوى والحسى معاً.. انه ما كان لهذه المجموعة البائسة ان تتحرك لقلب النظام الديمقراطى تحت اى زعم دون الإيماءة من عواصم اوروبية على رأسهم موسكو ولندن وباريس، كما لا نغفل واشنطن وتل ابيب، مع الربط الرياضى بإعلان فرنسا ضرورة إغلاق سفارتها فى تركيا قبل أيامٍ قليلة ماضية ، ولنستحضر تصريح ليفنى وزيرة خارجية الكيان الصهيونى سابقاً (بأن مرسى واردوغان سيدفعان ثمن خروجهما عن مسار اسرائيل وطموحاتهما لبلادهما)، كما لا ننسى الدور الخبيث الذى يلعبه رئيس الوزراء البريطانى الاسبق (تونى بلير) المهندس الحقيقى الخفى لرسم خريطة الشرق الاوسط.. والذى يعمل كمستشار لأكثر من زعيم عربى فى المنطقة والذى له حديث مُطَوّل فى مدينة بولمبرج عن خِطَطِة ورؤيتة للمنطقة ، والذى تناول فيه كل دول الربيع العربى ، كما خص مصر الكنانة فى حديثة الذى رأى فيه ان الاطاحة بالنظام الديمقراطى الذى اتى بمرسى اقل خسارة على الغرب من وجود قوة اسلامية حاكمة ـ نعم هكذا قالها بشكل مباشر ودون مواربة.
كما يجب التنويه الى انه فى حالة الحروب الدبلوماسية الباردة. ليس هناك أى إعتبار للمعاهدات والاتفاقيات ، لانها معلنة ، لكن الفعل الكيدى فى السياسة يُدبر له من تحت الطاولة فى عسس الليل ، كما ان طريقة تعاطى هذه العواصم سالفة الذكر للمشهد الإنقلابى الفاشل فى تركيا لم يكن بالقدر الذى يناسب الحدث فى دولة محورية كعضو فى الناتو ومن الدول العشرون الاقتصادية ، وكمدخل هام للقارة الاوروبية ، وكثقل ديموغرافى وحضارى يستحيل معه ان تعيش المنطقة بما فيها اوروبا بالعيش فى سلام حال غشى المجتمع ارباكً سياسياً. فى الوقت الذى تعيش المنطقة المجاورة لتركيا حالة تاريخية من الارباك تواضعت معه كل الدبلوماسيات ! ، ليس هذا فحسب وستتعاظم المسألة السوريه واليمنية والمصريه والليبية سوءً وضراوة !.
يبقى ان نثنى على الوعى السياسى والحس الوطنى الرفيع للنخب العلمانية التى لم يمنعها التعارض السياسى والايديولوجى فى الوقوف بجانب المسار ( الديمقراطى ) واحترام خيار الشعب التركى فى وجه الانفلاب العسكرى الفاشل ، وذلك يعود لإدراكهم ان سيناريوا الانقلاب العسكرى اسوء سيناريو مقارنةً بحكم اردوغان الذى رفع من الحجم العالمى والاقليمى للدولة التركية بعد اربعة انقلابات عسكرية فى الاعوام 1960 ،1971 ، 1980 ، و1997 ضد اول تجربة للإسلام السياسى الذى أطاحت فى حذر بالمهندس نجم الدين اربكان ، كما لا ننسى انه فى 2007 كانت هناك حركة من الجيش غير مباشرة للإطاحة بالسيد رجب طيب اردوغان افشلتها الفطنة السياسية ، ولإدراك النُخب العلمانية والشعب التركى معاً ان الرئيس اردوغان يمثل ايقونة الديمقراطية الحقيقى التى ثبتت كثيرا امام العسكر والذى يستطاع الاعتماد عليه فى مرحلة التحول التى تتمخض منها تركيا الحديثة .!
لعل نفايات النخب العلمانية العربية التى تمرغت فى عشق دبابات العسكر ان تعى الدرس الذى اطاح بالديمقراطية التى وئدت على ايديهم قبل ان تكتمل ولادتها!. 
هل ستسلم تركيا بعد الان من كيد الداخل المتمثل فى العسكر والخارج المُتمثل فى دول المركز؟! لا أظن ، واعتقد ان الادارة الحاكمة فى انقرة ستزيد من الحذر وستأخذ من التدابير ما يُمَكن لها قراءة الحدث قبل وقوعه بخطوات استباقية ستراها مناسبة لاحقاً. وكما يقول نعوم شومسكى ـ الغزو مستمر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق