إذا أردنا أن نختصر التاريخ السياسى الحديث ، فلنمعن النظر فى الأزمه السوريه، فهى تمثل المدى السافر للتخاذل الدولى والإقليمى ، ومدى العجز الدولى ( المُفتعل ) فى حل الأزمه ولو على طرق ـ الديمقراطيه أوالليبراليه ـ المُعلبه فى كتب العلوم السياسيه ، وحانات الرقص السياسى المتلفز من برلمانات ومناظرات أشبه بحلقات الذكر الصوفى التى لاتشبع العطش الروحى ... بقدر تخدير العقول وإنهاكه فزيائياً !
وعلى جانب آخر ، فى المجال الإعلامى نجد أن طرق تناول الأزمات السياسيه فى منطقتنا العربيه لاتخرج عن كونها حلقات ذكر صوفى ... أوعلى أحسن تقدير مساحه جيده للمثاقفات والجدل السياسى تغطى الزمن المسموح به كماده للتناول الإعلامى ، وفى الواقع لاتمس هذه المساحه من الجدل حقيقة الأزمات السيساسيه ... وبالتالى يبدو العجز فى حل المُعضله المطروحه للنقاش ، وغالباً ما يرجع لأسباب تخص ـ أمن النظام السياسى الحاكم ـ حتى لايتورط فى حل الأزمه الذى هو فى الغالب الأعم جزء من الأزمه التى قد تبدو معقده ـ أو هكذا يسوقون لها ـ حتى لا تتكشف عوراتهم أمام شعوبهم ... ليظلوا سادرين فى الوهم !!.
هناك ربيع عربى ، وهناك كيان ـ خريفى ـ ضخم مضاد لهذا الربيع ، له أجنحه داخليه وخارجيه مدعوم من ـ دول المركز ـ التى تتقابل مصالحيهما معاً فى إنهاك العود الأخضر لهذا الربيع ليصبح حطباً قابل للكسر والإنحناء ليسهل تطويعه ومن ثَم فرض نظم تتقابل فى المصالح ولاتتعارض مع دول المركز وإن شئت ( دول المُحتل ) .
فى الواقع كل بلاد الربيع العربى وقعت تحت طاولة المؤامرات الدوليه والأقليميه ـ دون استثناء ـ ومازالت تلك الدول تعانى من ويلات التحول من حالة الحاكم المُتغلب إلى حالة الإختيار الحر للحاكم ، مما جعل منطقة الربيع العربى تعيش أزمات تاريخيه ، إلا أنه تظل الأزمه السوريه فى المربع الأول والأوسع الأشد التهاباً ، وتمس وتر الضمير الإنسانى بعيداً ـ حتى ـ عن التناول السياسى ... التى يكشف مدى براجماتية القرن الواحد والعشرون التى تعطى مدلول هام ـ إنه كلما تقدمت الآله الحديديه ، تراجعت إنسانية الكائن البشرى ـ إلا مارحم ربى ... فالأزمه السوريه مرت بأطوار عده ... بين فعل على الارض وردّةْ فعل دوليه ـ دوليه تعنى دائماً دول المركز ـ ، ساهمت فيها كل النظم العربيه ـ كنظم تابعه ـ ، دون إستثناء وعلى رأسهم ـ دول الخليج ـ !.
عندما قامت الهبّه الشعبيه فى ربوع سوريا منذ اربعه أعوام ضد الحكم البعثى الطائفى الدكتاتورى الوراثى ... كانت حركة الشارع الثائر تحت مجهر مخابرات ـ السى آى أيه ـ الأميركيه ، بل أن السفير الأميركى كان يرقب حركه الشارع بنفسه عندما نزل أكثر من مره مترجلاً... وبالطبع كان يرفع التقارير للإداره الأميركيه للتخذ الخطوات الدبلوماسيه المناسبه ... وبعد أن انقسم الجيش النظامى وأنضم جزء كبير منه لثورة أهلمنا فى سوريا ... وفى المقابل تم تكوين جبهه كانت تضم النخبه العلمانيه ، تم الإعتراف بها فى المحافل الدوليه ، وتغيرت هذه الجبهه مرات عده من حيث المكوّن الأيديولوجى مثلها معاذ الحطيب ، وكانت دول المركز قد أقتربت من حل الازمه ورحيل نظام البعث إلا أن التطور الخطير للحركه الثوريه فى سوريا ـ من المنظور الغربى ـ بتحول الثوره وارتدائها الثوب الإسلامى ، وظهور جبهات مسلحه كجبهة النصره ، وظهور الدوله الإسلاميه فى المشهدين السورى والعراقى وبقوه ... تراجعت معه كل الحلول التى كانت فى التحضير لدى دول المركز ... ومن ثَم غض الطرف عن المجازر بحق المدنيين بكل انواع الاسلحه الفتاكه بما فيها السلاح الكيماوى .. المُحرم دولياً .!
ومن التناقضات السياسيه التى تعترى الدبلوماسية الغربيه غض الطرف عن الوجود العسكرى السافر القوى لإيران فى سوريا الذى يأجج الطائفيه ... والذى كانت مكافئته الاتفاق النووى الإيرانى الأميركى ، برغم لهجة العداء ـ الإعلامى ـ بين طهران والغرب برمته ! ... وكذلك الوجود غير المبرر سياسياً لميلشيات ـ حسن نصر الله ـ اللبنانيه! ... ـ وبرغم العداء الغربى والإسرائيلى لها إعلامياً وبرغم توصيفها بالإرهابيه سابقاً ! .
وبدخول روسيا سوريا عسكرياً للحرب بجانب نظام دمشق تكشفت حقائق وأبعاد لنا فيها قراءه نتناولها فى الجزء الثانى إن شاء الله ...