الخداع النفسي/ الاجتماعي
بقلم دكتور : ايمن غريب
يقول اندريه جيد ان المنافق الحقيقي هو الذي لا يدرك خداعه لانه يكذب بصدق ,فهناك انماط من البشر يتقنون فن او صناعة الخداع والكذب والتحايل على انفسهم والآخرين,ان الخداع النفسي والاجتماعي صار اسلوب حياة لدى الكثيرين فالاصدقاء قد يخدعونك بسم الوفاء وهم يخفون الحقد والغيرة والكراهية والحسد , والحكام يخدعون انفسهم والشعوب باسم المصلحة العامة والارهاب ومحاربة كل من يخالفهم , لقد كانوا يمارسون سياسة التجهيل والآن اضافوا اليها سياسة الخداع الاعلامى والنفسي السافر الفج وللأسف
يقع الكثيرين فى هذا الشرك والنفق الطويل المظلم.
والعقل البشري يخدع في كثير من الاحيان الانسان فلا يستطيع السيطره عليه ويضيف اليها الكثير من المشاعر والاحاسيس ويمثل هذا خطرا شديدا على النفس والآخرين ويصبح كالادمان الذى يستخدم للراحة المؤقتة التى يعقبها مزيد من الالم والكوارث,ومن اشكال ذلك الرضى والغرور وتصور ان الانسان بلغ قمة الكمال والعلم والثقافة لا يضاهية الكثيرين وينظر للآخرين باستعلاء المتعلم فانه لو خضع لهذا الخداع فأن سلوكه سيكون متكبر مسفه لآراء الآخرين و يعمل نفسه قاضي لأفكار الآخرين وقد يكون الخداع
النفسي وسوسه شيطانية داخلية وخارجية من شياطين الانس والجن بداخل انفسنا وعقولنا للتوقف عن الشيء الصحيح الذي نقوم به ومن ثم تكون مجاهدة النفس ومحاربة الاهواء وهي من اصعب الاشياء على النفس. ومن المعروف سيكلوجيا ان هناك في اللاوعي لدينا أجزاء مظلمنا بداخلنا حتى لو قمعناه تتمثل في أفكار يعتقد الفرد انها غير جيده أو مضره او تمثل تهديدا للذات و تحاول أن تخرج للواقع في أنسب فرصه ومن ثم تأتي وظيفة النفس الامارة بالسوء
لتحاول تهذيبها وتقديمه بالشكل المقبول داخليا وخارجيا وهو الخداع باشكاله
لفعل ذلك وتزيينه وتحسين صورتة للاخلاق فتنتقل أمارة السوء إلى اللاوعي و عند أقرب فرصه وتحاول الخروج, و طريقة الخداع النفسي أنسب طريقة لذلك فتحاول أن تقنع نفسك بأنك فعلت الكثير و عملت ما هو مطلوب منك أو إنك أفضل من الآخرين أو أنت دائما تفعل الصح فلماذا لا تفعل الخطأ الآن ! كلها خدع لتخدير الضمير وإنحراف السلوك ويشاركك الآخرين احيانا من المنافقين وشياطين الانس في تزيين ذلك وتحسين صورته لديك وتسهيل اتيانه.
من امثلة الخداع النفسي :.التبرير : ويعتبر التبرير من اكبر المشاكل التي تواجه مجتمعنا ولاسيما لدى الشباب فالطالب الراسب في الامتحان يبرر ويعزي سبب رسوبه الى استاذه او اسرته او يتهم الحظ العاثر ..ويؤكد لاصدقائه واهله بانه ناجح وعبقري ..ولكن حظه العاثر يطلبه عداوة!!..والشاب عندما ترفضه زميلته في الجامعة او العمل لا يعترف بهذا الرفض بل يؤكد لاصدقائه بانه هو الذي رفضها وانها ليست
من مستواه !! وكثير من الشباب يحلمون ويغرقون في بحر ليس له قرار حتى تتحول هذه الاحلام الى حالات مرضية وفي كثير من الاحيان يقوم المرء بتفريغ غضبه وعدوانه على شخص اخر وتبتعد عن المسبب الحقيقي .فمثلا المعلمة المحبطة من زوجها تقوم بضرب التلاميذ او ابنتها لاجل تفريغ غضبها والموظف عندما يتعرض للعقوبة او الاهانة من قبل مديره او رئيسه ياتي الى البيت ليلقي اللوم ويفرغ غضبه في زوجته وعائلته .والكبت وهو من المشكلات التي تعصف
بالكثيرين وخصوصا الكبت الجنسي واللجوء الى ممارسة العادة السرية بصورة مفرطة ..مما يؤدي الى تدهور نفساني وجسماني وقد يعاني الشاب اضطراب في اتخاذ القرارات وقد يعاني من تأنيب الضمير عندما يقوم بفعل ما.. وهو قد تربى منذ صغره على نبذ هذا الفعل مما يؤدي به الى التناقض والازدواجية .
وهناك اساليب اخرى للخداع النفسي نراها في المجتمع مثل التمارض لعدم الاتيان بشئ ما وذلك من قبيل قيام بعض الطلبة والطالبات به ايام الامتحانات العامة مما يؤدي بهم الى التأجيل او الرسوب وهذه الحالات نتيجة تراكمات نفمضاعفات جسمانية كحالة التقيؤ والاغماء في الامتحان.
وهناك حالات لخداع النفس تكون الغاية منها اعادة التوازن الى النفس فمثلا عندما نقول لانسان متصابي بأنك مازلت شابا بل افضل من كل شباب هذا الزمن ..قد ينكر في الظاهر ولكن في قرارة نفسه هو في راحة نفسية تامة لهذا نقول رفع المعنويات او اعادة الثقة الى النفس ..او عندما يوصف شخص مخادع حبيبته او صديقته القبيحة العانسة بأنها بدر البدور و اجمل الجميلات وانه سوف يزرع لها بستان من الورد ويصنع من قرص الشمس شبكة يضعها في يدها ..فتطرب هي للكلمات المعسولة رغم انها تعلم علم اليقين بانه كذب
وخداع ولكن عليها التصديق لتعيد لنفسها الثقة ..والتوازن .
ومن اهم اسباب الخداع النفسي الاجتماعي سيادة مشاعر الاحباط العام لدى الفرد والآخرين وفقدان الامل والثقة وخيبة الرجاء والاحساس باليأس وما يترتب على ذلك من مشاعر وعوامل نفسية ضارة نحو النفس والآخرين ، وهناك سمات لدى بعض الافراد شخصية بحكم تكوينها تميل لإظهار ما لا تُخفي بشكل تعمدي ضمن تركيبة الشخصية. ومن ثم محاولة اللحصول على مكاسب مادية أو معنوية وكذلك الصراعات النفسية باشكالها المختلفة وكلها موضوعات تحتاج الى كثير من التفاصيل ولكن ليس اوانها الآن و ايضا غياب اليقظة والوعي العام لدى الفرد والمجتمع مما يجعل الضحية صيد ثمين للخداع ويُغري بعض الشخصيات خاصةً ذات الطبيعة الشخصية التي تميل للخداع, بالاضافة الى وجود مشكلات نفسية واجتماعية تجعل المخادع يميل لمن يخدعه إما بإعتباره تخليص ذنب، أو إعتباره أحسن الحلول أو أفضل الإختيارات السيئة مثل (حبيبي شخص سئ وأعلم أنه يخدعني لكني لا أتخيل الحياة دون حب وشخص يسأل عني ) ، أو (زوجي يخدعني وأعلم ذلك جيداً لكني لا أملك أن أخرج من هذه الخدعة لأن الحل وقتها الطلاق وهو ما لا أستطيع تحمله) .
وعلى الجانب الاجتماعي ايضالم يعد خداع والهاء الشعوب مجرد ألاعيب حاكم، بهدف إخضاع شعبه وإنما أصبحت صناعة يخطط لها. وترصد من أجل نجاحها الأموال وتقام لها الدراسات والإستراتيجيات بعيدة المدى. وهي تشمل من بينها ما بين إعلام فاسد وفن هابط وافتعال مشكلات اقتصادية واجتماعية بل وفتن طائفية بين نسيج المجتمع. ولعل أحدث مولود فى مفردات الإلهاء موكذلك الجماعات والتنظيمات الفاسدة مثل جماعات عبدة الشيطان وتبادل الزوجات وما يسمى بالألتراس و كرة القدم نفسها تعد من أكبر عوامل الإلهاء.
ورغم أن الألتراس التى معناها «التعصب العنيف» اختراع إيطالى منذ الستينيات وقيل فى أمريكا اللاتينية قبل ذلك بخمسين عاما، فإن نجلى المخلوع مبارك جلبا الفكرة إلى بلادنا فى عام 1995، ليكون هؤلاء الشباب الأبرياء المتعلمون خير دعاية لقضية التوريث.
ورغم مرور أكثر من 500 عام على طرح أفكار ميكافيلى صاحب المقولة الشهيرة الغاية تبرر الوسيلة فى كتابه الشهير البرنس (الأمير) الذى أعطى فيه نصائح لكل ديكتاتور كيف يحكم شعبه. ومن وقتها وأصبحت تلك الأفكار النواة الأهم لصياغة سياسات كاملة لفنون وإستراتيجيات خداع و إلهاء الشعوب.
ولأن الحكام فى كل مكان وزمان لم يتغيروا على مر العصور كان هدفهم جميعا واحدا وهو البقاء فى الحكم لأجل غير مسمى، ومن أجل حفاظهم على هذا الحكم يرتكبون كل الجرائم المعادية لحقوق الإنسان ويبتكروا الحيل والألاعيب فى خداع وإلهاء شعوبهم عن قمعهم وطمعهم فى الحكم. ومن سادتها طبعا طغاة الغرب مثل هتلر وموسليتى واخيرا جورج بوش الابن من إشعال الحروب فى كل مكان للهروب من الشائعات التى أحاطت بانتخابه وما حدث به من تزوير.
ولا يزال كثير من حكامنا العرب حتى الآن يسيرون على نفس النهج ويتفننون فى خداع الشعوب ليل نهار,ومنها ما كان يحدث في عهد الرئيس المخلوع ومن على شاكلتة الآن من حيث اختلاق الهواجس مثل الارهاب والزيادة السكانية لتبرير سياسية التقشف وبيع القطاع العام للتغطية على فساده وفساد حاشيته ومن حوله واختلاق المشاريع الوهمية وكذلك الاعداء !!!.
واخيرا فان في جو الحرية و والحوار الحر والنقاش المثمر و في اساليب التربية والتنشئة الصحيحة والتعامل مع أبنائنا وشبابنا وأهمية تعزيز الثقة واستخدم القدرات الذهنية بشكل أفضل كلها عوامل تجعل من الافراد أقل عرضة للخداع و أهمية الحوار والنقاش وتعويد الأبناء على التساؤل في حال وجود امر غامض ومريب وتعويدهم على التنفيس الانفعالي والاستشارة، فالبيئة التى يسودها التخويف
والتهديد والقمع يكونون عرضة للاستغلال لذا ينبغي تعويد الأبناء والشباب على المصارحة والشفافية والشعور بالأمان والاطمئنان فكافة هذه العوامل تعد درع وقاية من الانحراف والوقوع في فخ الخداع والمخادعين اعاذنا الله واياكم منها .